رواج التسويق عبر المؤثرين في السعودية: خطوات العملية من التخطيط إلى التنفيذ
يشهد الاقتصاد السعودي تحولًا جذريًا نحو الرقمنة، وهو ما تدعمه بقوة مبادرات "رؤية 2030" الطموحة التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز مكانة المملكة كقوة اقتصادية إقليمية وعالمية.
في خضم هذا التحول، برز التسويق عبر المؤثرين كأحد الركائز الأساسية للنمو، متجاوزًا كونه مجرد اتجاه عابر ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجيات التسويقية الفعالة.
هذا القطاع، الذي بدأه البعض كفقاعة مؤقتة، تطور ليصبح صناعة عالمية تقدر قيمتها السوقية بحوالي 24 مليار دولار بحلول نهاية عام 2024.
وفي المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، يشير النمو المتزايد لسوق المحتوى الرقمي ككل، والذي يُتوقع أن يبلغ ما بين 4.3 و5.3 مليار دولار بحلول عام 2030.
لماذا يعد التسويق عبر المؤثرين خيارًا استراتيجيًا ناجحًا؟
• استهداف دقيق للجمهور:يتيح التسويق عبر المؤثرين للشركات الوصول مباشرة إلى فئات محددة من المستهلكين، نظرًا لأن متابعي المؤثر غالبًا ما يجتمعون حول اهتمامات أو أنماط حياة مشتركة.
• تعزيز الموثوقية:عندما يوصي المؤثر بمنتج أو خدمة، يشعر المتابعون بمصداقية الرسالة، مما يمنح العلامة التجارية ثقة أكبر في السوق.
• انتشار واسع للعلامة التجارية:بفضل المنصات الاجتماعية، يسهم المؤثرون في إيصال صورة العلامة التجارية ورسائلها إلى شريحة أوسع من الجمهور بسرعة وفاعلية.
• نتائج قابلة للقياس:تتميز حملات التسويق عبر المؤثرين بقدرتها على إظهار نتائج ملموسة من خلال نسب التفاعل، وعدد المبيعات، ما يساعد على تقييم الأداء وتطوير الخطط التسويقية باستمرار.
خطوات العملية لاستراتيجية التسويق عبر المؤثرين من التخطيط إلى التنفيذ
أولًا: مرحلة التخطيط وبناء استراتيجية ناجحة
• تحديد الأهداف ووضع الميزانيةالخطوة الأولى لأي حملة تسويقية ناجحة هي تحديد أهداف واضحة وقابلة للقياس.
هذه الأهداف هي التي توجه كل خطوة في الحملة، سواء كانت تهدف إلى زيادة الوعي بالعلامة التجارية، أو تحقيق مبيعات مباشرة، أو تعزيز التفاعل على منصات التواصل.
ويجب أن تتناسب الميزانية المخصصة مع هذه الأهداف، وتُوزع الموارد المالية بذكاء على العناصر الأكثر تأثيرًا في الحملة لضمان تحقيق أقصى استفادة.
كما أن التسويق عبر المؤثرين لا يتطلب دائمًا ميزانية ضخمة؛ ويمكن للشركات الصغيرة الدخول إلى هذا السوق بتكلفة منخفضة من خلال إرسال عينات من المنتجات للمؤثرين لتقييمها.
أو عبر التعاقد مع المؤثرين الصغار الذين تكون أسعارهم أقل وتأثيرهم أعمق.
• معايير اختيار المؤثرينإن اختيار المؤثر المناسب هو أهم عامل لنجاح الحملة. يجب أن تتوافق شخصية المؤثر وقيمه مع هوية العلامة التجارية ورسالتها.
كما أن التفاعل الحقيقي لجمهوره أهم بكثير من عدد متابعيه.
فالمؤثر الذي يمتلك متابعين متفاعلين ومخلصين أكثر قيمة من المؤثر الذي يملك ملايين المتابعين غير النشطين.
إضافة إلى ذلك، يجب أن يكون المؤثر متخصصًا في قطاع يتناسب مع المنتج أو الخدمة التي تقدمها الشركة، مع مراعاة التوافق الجغرافي.
فمعظم المؤثرين البارزين يتركزون في مدينتي الرياض وجدة، مما يجعل اختيارهم خيارًا استراتيجيًا إذا كان الجمهور المستهدف في تلك المناطق.
وأخيرًا، يجب التأكد من حصول المؤثر على ترخيص "موثوق" من الهيئة العامة للإعلام، حيث يُعتبر هذا الترخيص شرطًا أساسيًا لتقديم المحتوى الإعلاني في المملكة.
أنواع المؤثرين وتصنيفهم
يصنّف الخبراء المؤثرين في السوق السعودي إلى خمسة أنواع رئيسية، يختلف كل نوع منها في حجم جمهوره وخصائصه، ويُستخدم لتحقيق أهداف محددة.
• المؤثرون العمالقة (Mega-influencers):يمتلكون ملايين المتابعين وعادةً ما يكونون من المشاهير أو الشخصيات العامة. ويتم التعاقد معهم لزيادة الوعي بالعلامة التجارية على نطاق واسع.
• المؤثرون الكبار (Macro-influencers):يمتلكون جمهورًا كبيرًا يتراوح عدده بين 100 ألف ومليون متابع. يتمتعون بوصول واسع وتأثير قوي في مجالهم المتخصص.
• المؤثرون من المستوى المتوسط (Mid-tier influencers):تتراوح أعداد متابعيهم بين 50 ألف و100 ألف متابع، ويتميزون بتفاعل عالٍ مع جمهورهم.
• المؤثرون الصغار (Micro-influencers):تتراوح أعداد متابعيهم بين 10 آلاف و50 ألف متابع. يتميزون بارتفاع المصداقية ومعدلات التفاعل، وغالباً ما يكونون الخيار الأمثل لزيادة المبيعات والتحويلات.
• المؤثرون الأصغر (Nano-influencers):يمتلكون أقل من 10 آلاف متابع، وتتميز علاقتهم بجمهورهم بالأصالة والثقة العالية.
ثانيًا: مرحلة تنفيذ استراتيجية التسويق عبر المؤثرين -من الفكرة إلى الواقع
1- صياغة المحتوى الفعّال وابتكار الشراكات
بعد اختيار المؤثر، تأتي مرحلة صياغة المحتوى. يجب أن يكون المحتوى الذي يتم تقديمه جذابًا وتفاعليًا ومصممًا بعناية ليجذب انتباه الجمهور.
كما انه من المهم تجنب فرض "سكريبت" جامد على المؤثر، بل يجب السماح له بتقديم الرسالة بطريقة طبيعية وعفوية تتناسب مع أسلوبه ومحتواه الخاص.
فالعفوية هي التي تعزز المصداقية وتضمن أفضل النتائج. ولتحقيق ذلك، من الضروري إشراك المؤثر في مبادرات الشركة والتعامل معه كشريك، لا كمنفذ.
حيث يمكن للمحتوى أن يتخذ أشكالًا متعددة، مثل الفيديوهات والمنشورات المصورة، أو المراجعات المكتوبة، أو حتى البث المباشر والمحتوى التفاعلي.
وعند تنفيذ الحملة، يجب تجنب الوقوع في خطأ "الكرت المحروق"، والذي يحدث عندما يتم استخدام نفس المؤثر بشكل متكرر لدرجة تؤدي إلى انخفاض النتائج وفقدان المصداقية لدى الجمهور.
حيث يُنصح بتنويع المؤثرين للوصول إلى شرائح جمهور جديدة والحفاظ على حيوية الحملة.
2- الإطار القانوني والتنظيمي:
فرضت المملكة العربية السعودية إطارًا تنظيميًا لقطاع الإعلام المرئي والمسموع، يهدف إلى تعزيز الشفافية والاحترافية.
في هذا السياق، أصبح الحصول على ترخيص "موثوق" من الهيئة العامة لتنظيم الإعلام إلزاميًا للأفراد الذين يمارسون الإعلانات عبر منصات التواصل الاجتماعي.
هذا الترخيص يضفي طابعًا رسميًا على ممارسة الأفراد للإعلانات ويضع معايير واضحة للعمل.
تُعزز هذه التشريعات احترافية السوق وتُرسّخ ثقة الجمهور، لكنها في الوقت نفسه قد تفرض عائقًا على المؤثرين الصغار.
بسبب التكلفة المرتفعة للترخيص، مما قد يؤثر على ديناميكيات السوق.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على المؤثرين الالتزام بضوابط المحتوى الإعلامي، مثل عدم تقديم ادعاءات كاذبة أو تضليل المستهلك، وعدم المساس بالقيم العامة أو الإساءة للآخرين.
ثالثًا: مرحلة القياس والتحليل -تقييم الأداء وتجاوز التحديات
تستخدم في هذه المرحلة مجموعة من مؤشرات الأداء الرئيسية، من أجل قياس مدى نجاح حملة التسويق عبر المؤثرين.
هذه المؤشرات عبارة عن قيم تُظهر مدى تحقيق الحملة لأهدافها.
ويمكن تصنيف هذه المؤشرات إلى ثلاث فئات رئيسية:
• مؤشرات الوعي:وتشمل معدل الوصول الذي يقيس عدد الأشخاص الذين شاهدوا المحتوى، ومعدل مرات الظهور الذي يوضح عدد مرات عرض المحتوى التسويقي على الجمهور.
• مؤشرات التفاعل:وتتضمن عدد الإعجابات والتعليقات والمشاركات على المحتوى التسويقي، والتي تعكس مدى تفاعل الجمهور مع المحتوى وقيمته.
• مؤشرات التحويل:وهي الأكثر أهمية للحملات التي تهدف إلى المبيعات، وتشمل معدل التحويل، الذي يقيس نسبة المتابعين الذين قاموا بالإجراء المطلوب (مثل الشراء).
وكذلك تكلفة اكتساب العميل (CAC) التي تحسب المبلغ الذي تم إنفاقه للحصول على عميل جديد، والقيمة المالية للعملاء التي تقيس إجمالي الإيرادات المتوقعة من العميل على المدى الطويل
مجموعة من النصائح لنجاح التسويق عبر المؤثرين
من أجل أقصى استفادة من التسويق عبر المؤثرين في السوق السعودي، يُنصح باتباع التوصيات الاستراتيجية التالية:
• التركيز على الجودة لا الكمية:يجب أن يكون معيار الاختيار هو مصداقية المؤثر ومعدل تفاعل جمهوره، وليس فقط عدد المتابعين.
• بناء علاقات طويلة الأمد:التعامل مع المؤثرين كشركاء حقيقيين وليسوا مجرد أدوات دعائية يضمن محتوى أصيلاً ويعزز ولاء الطرفين.
• الالتزام بالإطار القانوني:التأكد من حصول المؤثر على ترخيص "موثوق" والالتزام الكامل ببنود الإفصاح القانوني يحمي العلامة التجارية ويعزز ثقة الجمهور.

